الخطبة الأولى
اللهم إنا نشكو إليك ضعفّ الحال ، وقلةَ الحيلة ، وكثرةَ الذنوب وضعف الوسيلة ، لا رجاء لنا إلا في رحمتك ، ولا طمع إلا في عفوك ، نرجو رحمتك ونخشى عذابك ، إن عذابك الجد بالكفار ملحق ، وأصلي وسلم على عبدك ورسولك محمد ، بلّغ الرسالةَ وأد الأمانة ، ونصح للأمة ، وجاهدَ في الله حقَ جهاده حتى آتاه اليقين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خِيارِ هذه الأمة ، أما بعد ، عباد الله : محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء وأشرف المرسلين ، إمام العالمين وقائد الغر المجلين ، أمين الله على وحيه ومصطفاه من خلقه ، أختاره الله وبعثه رحمة للعالمين ، حمل هداية رب السماء إلى أهل الأرض ، نورُ النبوة ومشكاتُها وشُعاعُها ، قرن الله أسمه باسمه في الآذان وجعل شأنه عالياً ، وتفضل عليه بالوحي والرسالة ، واصطفاه من بين خلقه ليكون خاتمَ النبيين ، وكان فضل الله عليه عظيماً ، جعل له لواء الحمد والمقام المحمود ، صاحب الوجه الوضاء والطهر والقداسة والبهاء ، أعظم استنارةً وضِياءاً من القمر ليلة البدر ، يفيض سماحة وبشراً ، ونورا وسروراً ، طلعته آسرة تأخذ بالألباب ، كل من رآه عرف صدقه في وجهه ، من القوم من ارتعدت فرائسه وهو ينظر إليه ، ومنهم من بكى إعجاباً به وإجلالا ، ما كان عابساً ولا مكشراً ، كان أشد حياءً من العذراء في خدرها ، إذا سُرَّ استنار وجه كأنه قطعة قمر ، أهدب الأشفار ، أكحل العينين كأنه سبيكة فضة ، مليح الوجه ، يقول أنس رضي الله عنه " ما مسست حريراً ولا ديباجا ألين من كف الرسول صلى الله عليه وسلم " كان يُعرف بريح الطيب إذا أقبل ، أحسنُ الناس خلقاً ، وأكرمُهم وأتقاهم ، يمشي مع المساكين ، تأخذه الجارية الصغيرة بيدها فينطلق معها لقضاء حاجتها ، يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ، يأتي ضعفاءهم ويعود مرضاهم ، يشهد الجنائز ويجلس ويأكل على الأرض ، يعقِل الشاة فيحلبها ، يخصف نعله ويخيط ثوبه ويخدم أهله ، كان يبيت الليالي طاوياً لا يجد عشاءاً ، لا يجد ما يملئ بطنه من الدقل وهو التمر الرديء ، يعصب الحجر على بطنه من الجوع ، يقبل الهدية ولا يأخذ الصدقة ، كان أشجع الناس يُتقى به في الحرب والقتال ، كان أرحم الناس يمتلئ عفواً وصفحا وسخاءا وكرماً وجودا ، تمر به الهرة فيسقي لها الإناء لتشرب منه ، عظيماً في أخلاقه ، عظيماً في آدابه ، عظيماً في شمائله صلى الله عليه وسلم .
اللهم إنا نشكو إليك ضعفّ الحال ، وقلةَ الحيلة ، وكثرةَ الذنوب وضعف الوسيلة ، لا رجاء لنا إلا في رحمتك ، ولا طمع إلا في عفوك ، نرجو رحمتك ونخشى عذابك ، إن عذابك الجد بالكفار ملحق ، وأصلي وسلم على عبدك ورسولك محمد ، بلّغ الرسالةَ وأد الأمانة ، ونصح للأمة ، وجاهدَ في الله حقَ جهاده حتى آتاه اليقين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خِيارِ هذه الأمة ، أما بعد ، عباد الله : محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء وأشرف المرسلين ، إمام العالمين وقائد الغر المجلين ، أمين الله على وحيه ومصطفاه من خلقه ، أختاره الله وبعثه رحمة للعالمين ، حمل هداية رب السماء إلى أهل الأرض ، نورُ النبوة ومشكاتُها وشُعاعُها ، قرن الله أسمه باسمه في الآذان وجعل شأنه عالياً ، وتفضل عليه بالوحي والرسالة ، واصطفاه من بين خلقه ليكون خاتمَ النبيين ، وكان فضل الله عليه عظيماً ، جعل له لواء الحمد والمقام المحمود ، صاحب الوجه الوضاء والطهر والقداسة والبهاء ، أعظم استنارةً وضِياءاً من القمر ليلة البدر ، يفيض سماحة وبشراً ، ونورا وسروراً ، طلعته آسرة تأخذ بالألباب ، كل من رآه عرف صدقه في وجهه ، من القوم من ارتعدت فرائسه وهو ينظر إليه ، ومنهم من بكى إعجاباً به وإجلالا ، ما كان عابساً ولا مكشراً ، كان أشد حياءً من العذراء في خدرها ، إذا سُرَّ استنار وجه كأنه قطعة قمر ، أهدب الأشفار ، أكحل العينين كأنه سبيكة فضة ، مليح الوجه ، يقول أنس رضي الله عنه " ما مسست حريراً ولا ديباجا ألين من كف الرسول صلى الله عليه وسلم " كان يُعرف بريح الطيب إذا أقبل ، أحسنُ الناس خلقاً ، وأكرمُهم وأتقاهم ، يمشي مع المساكين ، تأخذه الجارية الصغيرة بيدها فينطلق معها لقضاء حاجتها ، يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ، يأتي ضعفاءهم ويعود مرضاهم ، يشهد الجنائز ويجلس ويأكل على الأرض ، يعقِل الشاة فيحلبها ، يخصف نعله ويخيط ثوبه ويخدم أهله ، كان يبيت الليالي طاوياً لا يجد عشاءاً ، لا يجد ما يملئ بطنه من الدقل وهو التمر الرديء ، يعصب الحجر على بطنه من الجوع ، يقبل الهدية ولا يأخذ الصدقة ، كان أشجع الناس يُتقى به في الحرب والقتال ، كان أرحم الناس يمتلئ عفواً وصفحا وسخاءا وكرماً وجودا ، تمر به الهرة فيسقي لها الإناء لتشرب منه ، عظيماً في أخلاقه ، عظيماً في آدابه ، عظيماً في شمائله صلى الله عليه وسلم .
ألم ترى أن الله خلد ذكـره إذ قال في الخمس المؤذن : أشهد
وشق له من أسمه ليجـلُّه فذو العرش محمود وهذا محمد
وشق له من أسمه ليجـلُّه فذو العرش محمود وهذا محمد
أوفر الناس عقلاً ، وأسدهم رأياً ، وأصحهم فكرة ، وأسخاهم يداً ، وأنداهم راحة ، وأجودهم نفساً ، يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، يجود ويقول " أنفق يا بلال ولا تخشى من ذي العرش إقلالا " أرحب الناس صدراً ، وأوسعهم حلماً ، لا يزيده جهل الجاهلين عليه إلا أخذًا بالعفو وأمرًا بالمعروف ، يمسك بغرة النصر وينادي أسراه في كرم وإباء : اذهبوا فأنتم الطلقاء ، أعظم الناس تواضعاً ، يُخالط الفقير والمسكين ، ويُجالس الشيخ والأرملة ، لا يتميز عن أصحابه بمظهر ، ألين الناس عريكةً وأسهلهم طبعًا ، ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن مُحرمًا ، وهو مع هذا أحزمهم عند الواجب وأشدهم مع الحق ، لا يغضب لنفسه ، إذا انتُهِكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء ، ولا يستطيع أن يقف أحد في طريقه ، كأنما يُفقأ في وجهه حب الرمان من شدة الغضب ، تعظيماً لحرمات الله وغضباً لها ، أشجع الناس قلباً ، وأقواهم إرادة ، يتلقى الناس بثبات وصبر ، يخوض الغمار قائلاً " أنا النبي لا كذب أنا أبن عبد المطلب " أعف الناس لسانًا ، وأوضحهم بيانًا ، يسوق الألفاظ مُفصلة كالدر مشرقة كالنور ، طاهرٌ كالفضيلة في أسمى مراتب العفة وصدق اللهجة ، صاحب عفة وطهر ونزاهة ، أعدلهم في الحكومة وأعظمهم إنصافًا في الخصومة ، يَقِيدُ من نفسه ويقضي لخصمه ، يقيم الحدود على أقرب الناس ، ويقسم بالذي نفسه بيده " لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " يقيم الحدود ، ويقسم بالعدل بين الناس ، أسمى الخليقة روحًا ، وأعلاها نفسًا ، وأزكاها وأعرفها بالله ، وأشدها صلابة وقيامًا بحقه ، وأقومها بفروض العبادة ولوازم الطاعة ، مع تناسق غريب في أداء الواجبات ، واستيعاب عجيب لقضاء الحقوق ، يُؤتي كل ذي حق حقه ، فلربه حق ، ولصاحبه حق ، ولزوجه حق، ولدعوته حق ، أزهد الناس في المادة وأبعدهم عن التعلق بعرض هذه الدنيا ، يطعم ما يُقدَّم إليه فلا يرد موجوداً ولا يتكلف مفقودا ، ينام على الحصير والأدم المحشو بالليف ، أرفق الناس بالضعفاء وأعظمهم رحمة بالمساكين والبأساء ، شملت رحمته وعطفه الإنسان والحيوان .
خلقت مبرأ من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء
ولو لم يكن للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الفضل إلا أنه الواسطة في حمل هداية السماء إلى الأرض ، وإيصال هذا القرآن الكريم إلى العالم لكان فضلاً لا يستقل العالم بشكره ، ولا تقوم الإنسانية بكفائه ، ولا يُوفي الناس حامله بعض جزائه ، إنها العظمة الماثلة في كل قلب ، المستقرة في كل نفس ، يستشعرها القريب والبعيد ، ويعترف بها العدو والصديق ، وتهتف بها أعواد المنابر ، وتهتز لها ذوائب المنائر ، إنه النبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث الكمال الخُلقي بالذروة التي لا تُنال ، والسمو الذي لا يُسامى .
أيها المسلمون : ثلاثةُ أشهرٍ وعشرونَ يوماً مرت منذ أن تجرأت صحيفةُ دانمركيّة من أوسع الصحف اليومية انتشاراً في الدانمارك على الإساءةِ لنبيّنا صلى الله عليه وسلم أشرفِ مخلوقٍ وأطهرِ إنسانِ وأرفعِ من خطا على هذه البسيطةِ ، نشرت هذه الجريدة اثني عشرَ رسماً ساخراً ( كاريكاتورياً ) للنبي محمد عليه الصلاة والسلام ، أقلُّ ما توصفُ بها أنها بذيئةٌ ومنحطة إلى أبعد الحدود ، على هيئة مسابقة عُرضت على أكثر من خمسين رسّاما ، أظهر منهم اثنا عشر قبيحا وقحا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه مجرم حرب إضافة إلى بعض الرسومات التي تمس علاقة المسلم بربه في أقدس فريضة وهي الصلاة ، مئةٌ وعشرةُ أيامٍ ، أو قل : ألفانِ وستمائةٍ وأربعون ساعةً تصرَّمتْ على هذه الفعلةِ الشنيعةِ ، وذلك في يوم الثلاثاء الموافق للسادس والعشرين من شهر شعبان لعام ألف وأربعمائة وستة وعشرين للهجرة النبوية ، ثم تقدم مجلة نرويجيةٌ على إعادة نشر الصورِ ذاتِها بعد مئةِ يومٍ وبالتحديد في اليوم العاشر من ذي الحجة ، يوم الحج الأكبر ، يوم عيد الأضحى المبارك ، لتنكأ الجراح وتشن الغارة من جديد , إمعانا للعداء وإغاظة للمسلمين ، مشفوعاً بتعليقٍ لرئيس تحرير تلك المجلة قائلا: إنّ حرية التعبير في منطقتنا مهدّدةٌ من دين ليس غريباً عليه اللجوء الى العنف " " أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ " كفرة فجرة شرذمة مردة يشنون غارات على شخصية محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ، رسوماتٌ وصور آثمة وقحة وقاحة الكفر بأهله ، فيا لله ماذا بقي في الحياة من لذة عندما ينال من مقام محمد صلى الله عليه وسلم ثم لا ننتصر له ؟ ماذا نقول تجاه هذا العداء السافر والتهكم المكشوف ؟ أنغمض أعيننا ؟ أنصم أذاننا ؟ أنطبق أفواهنا وفي الجسد عِرق ينبض ؟ وفي القلب حب يدفق ، والذي كرم محمدا وأعلى مكانته صلى الله عليه وسلم لبطن الأرض أحب إلينا من ظاهرها إن عجزنا أن ننطق بالحق وندافع عن نبينا صلى الله عليه وسلم ، آلا جفت أقلام وشلت سواعد وفُقعت عيون وغصت حناجر امتنعت عن تسطير الأحرف ، والنطق بالكلمات للذود عن حياض وجناب النبي صلى الله عليه وسلم .
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم فداء
ولم تنته القصة بعد .. لتُبارك هذه الرسومات من ملكة تلك الدولة النصرانية الصليبية الكافرة ، وهي وربي كبقية دول أوربا وأمريكا الشمالية التي تدين بعقيدة التثليث الباطلة الفاشلة ، الفاسدة الكاسدة ! ولا غرو ولا عجب ، فمن الطبيعي أن تظل كغيرها عدوة لكل ما يمت للإسلام بصلة ، هذه الدولة ظلت منذ عدة أشهر تسخر عبر صحفها ووسائل إعلامها من رسولنا الكريم ونبينا العظيم صلى الله عليه وسلم ، لا لشيء إلا لأن بعض أبناء شعبها بدأوا يفكرون جدياً بالتخلي عن نصرانيتهم واعتناق الإسلام كغيرهم من شعوب العالم الذين أبهرتهم أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تبعها من تداعيات لا تخفى على أحد !!
إنّ ما تقوم به الدنمارك وتؤيدها النرويج وتسكت عنه بقية دول العالم النصراني يؤكد أنّ الحرب القائمة بين الإسلام والنصرانية في أفغانستان والشيشان والعراق حرب دينية عقدية ، وإن تبرقعت بغطاء مكافحة الإرهاب , أو تلفعت بمرط محاربة الدكتاتوريات في العالم ، عباد الله : لقد أنصف بعض الكفار نبينا عليه الصلاة والسلام لما قرءوا سيرته ورأوا عظيم دينه أخلاقه ، يقول مايكل هارت في كتابه الخالدين المائة : لقد أخترت محمداً صلى الله عليه وسلم في أول هذه القائمة [ بعد أن ذكر مائة رجل ] لأنه هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستوى الديني والدنيوي ، دعا إلى الإسلام وأصبح قائداً سياسياً وعسكرياً ودينياً ، ولما كان محمد صلى الله عليه وسلم قوة جبارة لا يستهان بها ، يمكن أن أقول: إنه أعظم زعيم سياسي عرفه التاريخ ، ويقول الأديب العالمي تُولُسْتْوِي : يكفي محمداً فخراً أنه خلص أمة ذليلة دموية من مخالب شياطين العادات الذميمة ، وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم ، وإن شريعة محمد ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة ويقول شِبْرِك النمساوي: إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها ، إذ أنه رغم أميته استطاع قبل بضعت عشر قرناً أن يأتي بتشريع سنكون نحن أوروبيين أسعد ما نكون إذا توصلنا إلى قمته ، ويقول الإنجليزي توماس كارليل الحائز على جائزة نوبل في كتابه الأبطال : لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متحدث في هذا العصر أن يُصغي إلى ما يُقال من أن دينَ الإسلام كذب ، وأن محمدٌ خداع مزور ، وقد رأيناه طول حياته راسخَ المبدأ ، صادق العزم ، كريماً براً رءوفاً ، تقياً ، فاضلاً ، حراً ، رجلاً شديد الجد ، مخلصاً ، وهو مع ذلك سهل الجانب ، لين العريكة ، جم البِشْر والطلاقة ، حميد العشرة ، حلو الإيناس ، بل ربما مازح وداعب ، كان عادلاً ، صادق النية ، ذكي اللب "
وهكذا عباد الله .. تتوالى الشهادات من الأعداء ومن مخالفيه عليه الصلاة والسلام ، لأنه ما من أحد أدعى النبوة من الكذابين إلا وظهر عليه من الجهل والكذب والفجور واستحواذ الشياطين ما فضحه ، وما من أحد أدعى النبوة من الصادقين إلا وظهر عليه من العلم والصدق والبر وأنواع الخيرات ما ميزه عن غيره ، وصدقت خديجة رضي الله عنها لما قالت : أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ، ولما سمعه ورقة ابن نوفل عرفه وقال : هذا الناموس الذي نزل على موسى ، وعرفه بحير الراهب بصفته وهو صغير ، وعرفته الجن لما سمعوا كلامه ، وعرفه ملك الروم هرقل لما سأل أبا سفيان أسئلة فأجابه عنها ، ثم قال له هرقل : سألتك عن نسبه ، فذكرت أنه فيكم ذو نسب ، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها ، وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول ؟ فذكرت أن لا ، فقلت : لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلتُ : رجل يأتسى بقولٍ قيل قبله ، وسألتك هل كان من آبائه من ملك ؟ فذكرت أن لا ، فقلت : لو كان من آبائه من ملك لقلتُ : رجل يطلب ملك أبيه ، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فذكرت أن لا ، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله ، وسألتك أشراف الناس أتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ فذكرت أن ضعفاءَهم أتبعوه ، وهم أتباع الرسل ، وسألتك أيزيدون أم ينقصون ؟ فذكرت أنهم يزيدون ، وكذلك الإيمان حتى يتم ، وسألتك أيرتد أحد سخطتاً لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ فذكرت أن لا ، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب ، وسألتك هل يغدر ؟ فذكرت أن لا ، وكذلك الرسل لا تغدر ، وسألتك بما يأمركم ؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبد الله ولا تشركوا به شيئاً ، وينهاكم عن عبادة الأوثان ، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف ، فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين ، وقد كنت أعلم أنه خارج ، ولكني لم أظن أنه منكم ، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقائه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه
ولو لم يكن للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الفضل إلا أنه الواسطة في حمل هداية السماء إلى الأرض ، وإيصال هذا القرآن الكريم إلى العالم لكان فضلاً لا يستقل العالم بشكره ، ولا تقوم الإنسانية بكفائه ، ولا يُوفي الناس حامله بعض جزائه ، إنها العظمة الماثلة في كل قلب ، المستقرة في كل نفس ، يستشعرها القريب والبعيد ، ويعترف بها العدو والصديق ، وتهتف بها أعواد المنابر ، وتهتز لها ذوائب المنائر ، إنه النبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث الكمال الخُلقي بالذروة التي لا تُنال ، والسمو الذي لا يُسامى .
أيها المسلمون : ثلاثةُ أشهرٍ وعشرونَ يوماً مرت منذ أن تجرأت صحيفةُ دانمركيّة من أوسع الصحف اليومية انتشاراً في الدانمارك على الإساءةِ لنبيّنا صلى الله عليه وسلم أشرفِ مخلوقٍ وأطهرِ إنسانِ وأرفعِ من خطا على هذه البسيطةِ ، نشرت هذه الجريدة اثني عشرَ رسماً ساخراً ( كاريكاتورياً ) للنبي محمد عليه الصلاة والسلام ، أقلُّ ما توصفُ بها أنها بذيئةٌ ومنحطة إلى أبعد الحدود ، على هيئة مسابقة عُرضت على أكثر من خمسين رسّاما ، أظهر منهم اثنا عشر قبيحا وقحا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه مجرم حرب إضافة إلى بعض الرسومات التي تمس علاقة المسلم بربه في أقدس فريضة وهي الصلاة ، مئةٌ وعشرةُ أيامٍ ، أو قل : ألفانِ وستمائةٍ وأربعون ساعةً تصرَّمتْ على هذه الفعلةِ الشنيعةِ ، وذلك في يوم الثلاثاء الموافق للسادس والعشرين من شهر شعبان لعام ألف وأربعمائة وستة وعشرين للهجرة النبوية ، ثم تقدم مجلة نرويجيةٌ على إعادة نشر الصورِ ذاتِها بعد مئةِ يومٍ وبالتحديد في اليوم العاشر من ذي الحجة ، يوم الحج الأكبر ، يوم عيد الأضحى المبارك ، لتنكأ الجراح وتشن الغارة من جديد , إمعانا للعداء وإغاظة للمسلمين ، مشفوعاً بتعليقٍ لرئيس تحرير تلك المجلة قائلا: إنّ حرية التعبير في منطقتنا مهدّدةٌ من دين ليس غريباً عليه اللجوء الى العنف " " أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ " كفرة فجرة شرذمة مردة يشنون غارات على شخصية محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ، رسوماتٌ وصور آثمة وقحة وقاحة الكفر بأهله ، فيا لله ماذا بقي في الحياة من لذة عندما ينال من مقام محمد صلى الله عليه وسلم ثم لا ننتصر له ؟ ماذا نقول تجاه هذا العداء السافر والتهكم المكشوف ؟ أنغمض أعيننا ؟ أنصم أذاننا ؟ أنطبق أفواهنا وفي الجسد عِرق ينبض ؟ وفي القلب حب يدفق ، والذي كرم محمدا وأعلى مكانته صلى الله عليه وسلم لبطن الأرض أحب إلينا من ظاهرها إن عجزنا أن ننطق بالحق وندافع عن نبينا صلى الله عليه وسلم ، آلا جفت أقلام وشلت سواعد وفُقعت عيون وغصت حناجر امتنعت عن تسطير الأحرف ، والنطق بالكلمات للذود عن حياض وجناب النبي صلى الله عليه وسلم .
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم فداء
ولم تنته القصة بعد .. لتُبارك هذه الرسومات من ملكة تلك الدولة النصرانية الصليبية الكافرة ، وهي وربي كبقية دول أوربا وأمريكا الشمالية التي تدين بعقيدة التثليث الباطلة الفاشلة ، الفاسدة الكاسدة ! ولا غرو ولا عجب ، فمن الطبيعي أن تظل كغيرها عدوة لكل ما يمت للإسلام بصلة ، هذه الدولة ظلت منذ عدة أشهر تسخر عبر صحفها ووسائل إعلامها من رسولنا الكريم ونبينا العظيم صلى الله عليه وسلم ، لا لشيء إلا لأن بعض أبناء شعبها بدأوا يفكرون جدياً بالتخلي عن نصرانيتهم واعتناق الإسلام كغيرهم من شعوب العالم الذين أبهرتهم أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تبعها من تداعيات لا تخفى على أحد !!
إنّ ما تقوم به الدنمارك وتؤيدها النرويج وتسكت عنه بقية دول العالم النصراني يؤكد أنّ الحرب القائمة بين الإسلام والنصرانية في أفغانستان والشيشان والعراق حرب دينية عقدية ، وإن تبرقعت بغطاء مكافحة الإرهاب , أو تلفعت بمرط محاربة الدكتاتوريات في العالم ، عباد الله : لقد أنصف بعض الكفار نبينا عليه الصلاة والسلام لما قرءوا سيرته ورأوا عظيم دينه أخلاقه ، يقول مايكل هارت في كتابه الخالدين المائة : لقد أخترت محمداً صلى الله عليه وسلم في أول هذه القائمة [ بعد أن ذكر مائة رجل ] لأنه هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستوى الديني والدنيوي ، دعا إلى الإسلام وأصبح قائداً سياسياً وعسكرياً ودينياً ، ولما كان محمد صلى الله عليه وسلم قوة جبارة لا يستهان بها ، يمكن أن أقول: إنه أعظم زعيم سياسي عرفه التاريخ ، ويقول الأديب العالمي تُولُسْتْوِي : يكفي محمداً فخراً أنه خلص أمة ذليلة دموية من مخالب شياطين العادات الذميمة ، وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم ، وإن شريعة محمد ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة ويقول شِبْرِك النمساوي: إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها ، إذ أنه رغم أميته استطاع قبل بضعت عشر قرناً أن يأتي بتشريع سنكون نحن أوروبيين أسعد ما نكون إذا توصلنا إلى قمته ، ويقول الإنجليزي توماس كارليل الحائز على جائزة نوبل في كتابه الأبطال : لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متحدث في هذا العصر أن يُصغي إلى ما يُقال من أن دينَ الإسلام كذب ، وأن محمدٌ خداع مزور ، وقد رأيناه طول حياته راسخَ المبدأ ، صادق العزم ، كريماً براً رءوفاً ، تقياً ، فاضلاً ، حراً ، رجلاً شديد الجد ، مخلصاً ، وهو مع ذلك سهل الجانب ، لين العريكة ، جم البِشْر والطلاقة ، حميد العشرة ، حلو الإيناس ، بل ربما مازح وداعب ، كان عادلاً ، صادق النية ، ذكي اللب "
وهكذا عباد الله .. تتوالى الشهادات من الأعداء ومن مخالفيه عليه الصلاة والسلام ، لأنه ما من أحد أدعى النبوة من الكذابين إلا وظهر عليه من الجهل والكذب والفجور واستحواذ الشياطين ما فضحه ، وما من أحد أدعى النبوة من الصادقين إلا وظهر عليه من العلم والصدق والبر وأنواع الخيرات ما ميزه عن غيره ، وصدقت خديجة رضي الله عنها لما قالت : أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ، ولما سمعه ورقة ابن نوفل عرفه وقال : هذا الناموس الذي نزل على موسى ، وعرفه بحير الراهب بصفته وهو صغير ، وعرفته الجن لما سمعوا كلامه ، وعرفه ملك الروم هرقل لما سأل أبا سفيان أسئلة فأجابه عنها ، ثم قال له هرقل : سألتك عن نسبه ، فذكرت أنه فيكم ذو نسب ، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها ، وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول ؟ فذكرت أن لا ، فقلت : لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلتُ : رجل يأتسى بقولٍ قيل قبله ، وسألتك هل كان من آبائه من ملك ؟ فذكرت أن لا ، فقلت : لو كان من آبائه من ملك لقلتُ : رجل يطلب ملك أبيه ، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فذكرت أن لا ، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله ، وسألتك أشراف الناس أتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ فذكرت أن ضعفاءَهم أتبعوه ، وهم أتباع الرسل ، وسألتك أيزيدون أم ينقصون ؟ فذكرت أنهم يزيدون ، وكذلك الإيمان حتى يتم ، وسألتك أيرتد أحد سخطتاً لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ فذكرت أن لا ، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب ، وسألتك هل يغدر ؟ فذكرت أن لا ، وكذلك الرسل لا تغدر ، وسألتك بما يأمركم ؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبد الله ولا تشركوا به شيئاً ، وينهاكم عن عبادة الأوثان ، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف ، فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين ، وقد كنت أعلم أنه خارج ، ولكني لم أظن أنه منكم ، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقائه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه